Tuesday

نحن والمقابر .. القبور ليست مكان الاموات ابدا


لن أتحدث عن ما قيل ملايين المرات في مدح المقابر وساكنيها .. لن أزيد الكلام فيما سبق أن قيل عن إكرام الميت وتكريمه ودفنه وهو ما تفعله تسعين في المائة من الأمم على مدى التاريخ .. لن أتحدث عن زيارة المقابر .. عن تحريمها على النساء وتحليلها على الرجال .. لن أتحدث عن العبرة والموعظة في الموت والمقابر .. مع ان عبرتهم وموعظتهم تتناقص يوما بعد يوم مع رخص الإنسان المسلم والإنسان عموما .. في كل يوم نشاهد عشرات ومئات الجثث الإسلامية وغير الإسلامية في الفضائيات وقد تطايرت بفعل الحقد الإسلامي طائفيا أو تكفيريا أو عبثيا .. وتسند هذه الجثث مئات وربما ألاف الصفحات من التراث الفكري الديني التي تجعل قتل الإنسان أهون من قتل الحشرة .. يحملون في توابيت قذرة وبسرعة ليلقوا في حفر ترابية ستبول عليها الكلاب والقطط بمجرد رحيل المشيعين .. هذا مصير الإنسان .. وهذا ما بثلج صدر البعض انه في النهاية سيصبح رميم وتراب وتخلص الأرض من ثقله خاصة إذا كان من ملاحقي الفتاوى و عاشقي رجال الدين المجرمين ..في بلادنا خاصة دون بلاد العالمين / نحن والجن / لا نقيم وزنا للموتى والميتين ولا نحترم المقابر بل هي أخر مكان يمكن ان تزوره .. فليس من عاداتنا زيارة المقابر في الأعياد والمواسم واخذ الورود والبكاء على رخام القبر .. لأنه لا يوجد لدينا قبور بالمعنى المعروف في كل الأرض وفي كل الحضارات .. فما لدينا هو حفر نطمر فيها الميت ثم نتركه للكلاب تتبول عليه ونقول بفرح سبحان .. لقد مات وانتهى ! هذه القبور المهانة في بلادنا المهملة التي بالكاد نتذكرها أو نعرفها إلا عندما نريد أن نلقي بجيفة احد أقاربنا عندما يموت .. هل أصحاب هذه القبور موتى فعلا .. هل هم فنوا وتخلصنا منهم فعلا ونستطيع أن نلعنهم بكل ما أوتينا من قوة .. لأنهم أصبحوا تراب وزباله ورميم .. أم أنهم لازالوا يمسكون بحلوقنا ويتفننوا في اضطهدنا وتسيير حياتنا كما كانوا يريدون .. بل إنهم أحياء في الأرض يرزقون الحمد والثناء والأتباع .. إن أولئك الخربين الفانين المتحولين تراب هم أكثر حياة من سائقي اللاند كروزر والونيتات والمتنافسين على مزايين الإبل .. أكثر حياة من الفرحين بناطحات السحاب في بلاد الأعراب ومن مشيدي البروج في فيافي العطش .. ومن متأملي الخير في سوق الأسهم .. إن الحياة تنبض في جيف أولئك أكثر من أجساد الشباب العاجزين عن التمرد على تراث الآباء والأجداد ..استفزتني عبارة عن زيارة المقابر والدعاء لأهلها .. ففكرت وأنا أمر بإحدى المقابر أن لعن ساكنيها و ابصق عليهم بدلا من السلام .. ! ماذا جنينا منهم .. إما مستبدين أو جبناء وجهله .. كل سلبيات حياتنا قادمة من القبور والمقابر .. وكل ايجابياتنا من خارج الحدود .. من الدواء إلى الفكرة إلى الحقوق إلى التنظيمات الحديثة .. وكل عرقلة وتوقف وبطش هو من مخلفات الجيف منظر زيارة القبور لدينا شبه معدوم لا يمارسه احد على الإطلاق تقريبا, سوى قلة من غلاة المتدينين ليستقووا بتذكر عزرائيل على اضطهاد الناس أو الفئة الضالة لتمدهم بالصبر على الملاحقات .. كم أتمنى أن تصبح زيارة القبور لدينا طقسا اجتماعيا كما في بقية العالم .. مقابل أن نتحرر من سيطرة الأموات على حياتنا .. الأموات الذين لا تظهر لهم سلطة على السطح فلا زيارات ولا مواعيد ولا رخام ولا ورود ولا شواهد قبور .. ولكنهم يخنقون حياتنا بحضورهم العفن ..!