Monday

الضوء الذي أنار دواخلنا يوم ارتطمت طائرة ببرج التجارة

منذ بدأت القراءة والإطلاع على عالم الكتب والمثقفين وأنا اسمع و أقراء الغالبية من الكتاب و المثقفين يتحدثون عن المحطات المفصلية و المحورية في مسيرتهم الشخصية فكريا وحياتيا أو مسيرة أجيالهم الفكرية والحياتية وعن انعطافات مهمة فصلت حياتهم إلى ما قبل وما بعد .. البعض كانت أحداث 1948 هي المفصل عنده والغالبية كانت سنوات الناصرية الملتهبة والكثيرين كانت أيام هزيمة 1967 هي العلامة الفارقة في حياتهم العقلية والعاطفية أثرا وتأثيرا .. وطالما تساءلت عنا السعوديين المحافظين الكتومين الذين تربينا وتعلمنا على الصمت والسرية .. ماذا عنا عني انا عن جيلي .. ؟ ما هو المؤثر الكبير في حياتنا منذ الحدث المعجزة بقيام الدولة الخطيرة التي حولتنا من سباع ووحوش في فلوات الجزيرة العربية ووضعتنا على بداية الطريق إلى المدنية والتمدن .. ماذا سيكون الحدث الأبرز في حياتنا نحن أبناء الدولة الحديثة ( تجاوزا ) أبناء المدارس والبيوت الطينية والخرسانية .. كنت أحيانا أفكر في الطفرة النفطية لكنها لم تتعد الماديات والأسمنتيات .. فكرت في حرب 1982 وحصار بيروت الذي ادمي قلبي .. لكن معظم مجتمعي المحيط بي لم يسمع بها عوضا عن يتأثر به .. وأخيرا كان عام 1990 نقلة وعلامة قوية لا يمكن تجاهل آثرها , فمع دخول الجيش العراقي الكويت وتهديدة المملكة والمنطقة واستقدام مليون جندي أمريكي و أجنبي إلى المملكة كان المسرح جاهزا لولادة صدمة عاطفية وعقليه .. ولكن .. انحسرت ألأزمة وانتهت الحرب و عادت الأيام سيرتها السابقة وكأن شيئا لم يحدث .. لم يتبقى من اثر لها سوى ذكريات دوى صواريخ سكود وتحذيرات الدفاع المدني واضطراب العواطف وتشتتها بين مع وضد .. لم اشعر أبدا إنني أو من حولي اختلفنا عن ما قبل وما بعد حرب الخليج الثانية .. نفس الجمود نفس الخوف نفس الرغبة نفس اليأس .. لكني بيني وبين نفسي فلسفتها و أصررت أن أثبتها واجعلها علامة فارقه لجيلي ومجتمعي باعتبارها اكبر هزة مقبولة ومعقولة , رغم إني نظرت إلى الناس حولي لأرى اثر الأحداث فيهم بعد سنين .. فوجدتهم على نفس التفكير و نفس الرضوخ و نفس الانمساخ القديم .. يسيرون وكل واحد منهم يشبه الأخر في عزيمتة على المجاهدة والجهاد والتكفير و التبديع ..!!حتى جاء ذلك اليوم الخطير ..يوم نقلني شخصيا و نقل المجتمع كله إلى أن يتحدث عن ما قبل وما بعد بكل ثقة وجديه ألا وهو يوم الحادي عشر من سبتمبر وأحداثه الفلكية .. عندما شهد العالم كله على ما كان يضطرم في صدري وأخاف أن اهمس به .. شهد العالم كله على ما كان يجول في خاطري ولا أجرؤ حتى على التلميح به .. شهد العالم كله على مدى الكراهية التي شببنا عليها لكل المعتقدات والأفكار وكل الأجناس .. على ما تربيت عليه أنا وجيلي و الجيل الذي سبقه و الذي لحقه .. على نوا قض ( إسلامنا ) التي يرتع فيها العالم كله .. العالم الخارجي الذي هو مكان البدعة والبدع والشرك والمشركين والعياذ بالله ..! العالم الخارجي المتهتك الزاني العاهر الكافر المهدد لبيضة الدين الذي تحمله وتحميه بلادنا الطاهرة النقية .. من يعرف تاريخنا الدموي الطويل في صحراء نجد .. لا احد .. من يهتم بتلك البقعة القفر شديدة الحرارة وأهلها العصبيين ألقليلي الصبر .. لا احد .. من يعلم أن تلفزيون الدولة التي مضى عليها قرن من التأسيس لا يستطع أن يبث أغنية بالأسود والأبيض لمطربة عجوز راحلة اسمها أم كلثوم .. من يعلم أن نساء وطفلات بلادنا يغطون وجههن وأجسادهن من الرأس إلى القدمين بطبقات من ألأقمشة في حرارة تبلغ خمسين درجه ولا يستطعن الحركة بلا محرم حتى إلى البنك أو طوارىء المستشفى ..! من يعلم أن ملايين من الشباب والرجال لا يشاهدون النساء ابدآ مطلقا .. وان الأخ يخوون أخوه لأنه ألحمو أو الموت ويتهمه مسبقا في ضميره بأنه يشتهي زوجته .. وجعل العلاقات ألأخويه ملغومة بفكرة الخيانة مسبقا .. من يعرف ثقافتنا التربوية العجيبة .. ! من كان يعلم أن قضايا المجتمع الصحراوي المغلق ولا زالت مع الأسف مثل : يعمل معنا أمريكي في العمل هل يجوز لي أن أرد على تحيته .. ؟ هل يجوز لي أن اشرب الشاي بيدي اليسرى .. ؟ هل تضع الفتاة العباءة على رأسها أم على كتفها ( طبعا مع تغطية الوجه ) .. ؟ .. وغيرها من ما يدل على التداعي والانهيار الفكري والعقلي الداخلي إلى درجة الوصل إلى حافة الجنون والانتحار .. من راقب مثل هذا المجتمع المصدوم بالخروج من العزلة الطويلة التي أمضى فيها ألاف السنين لا يندهش أن يخرج منه انتحاريين حاقدين على الحياة والأحياء .. الحادي عشر من سبتمبر .. كان بمثابة اكتشاف ارض جديدة .. ضوء سقط على ذواتنا المظلمة .. أحداث سبتمبر خلقت وعيا بالذات السعودية وأنتجت نظرة جديدة للذات وتصميما مبهما على تغيير الواقع .. الحادي عشر من سبتمبر ينطبق عليه المثل الذي يقول من الشر يولد الخير ..! منه بدأت مراجعة الوهابية أو الإسلام السعودي الأحادي أو إسلام اقتصاد الصحراء وثقافة الغزو .. إن الضوء الباهر الذي سقط على نفوسنا ذالك اليوم من سبتمبر 2001 .. أشعل حريقا في أرجاء الكهف الذي أغلقناه على أنفسنا .. كهفنا الذي بنته أيدي الآباء والأجداد وعمقته العزلة ودهور ألأميه والاستبداد .. الاستبداد الذي فاض شره على العالم القريب ثم البعيد في ذلك اليوم التعيس المجيد التعيس بمأساته الإنسانية المرعبة .. والمجيد باكتشافنا نحن السعوديين لدوا خلنا المريضة المظلمة الراكدة .. أجيال عبرت على أرضنا وهي تظن أنها عاشت .. مرت بهذه الحياة وهي لم تعرف منها إلا القسوة والكراهية والعدوان على الذات وعلى الأخر .. الاضطهاد والاستبداد هو عنوان حياتها إن كانت تسمى حياة .. وكأن ظلم البيئة الطبيعة القاسية لا يكفي حتى نظلم أنفسنا تارة باسم الدين وأخرى باسم الشرف أو الشيم العربية .. واليوم .. واقعنا المادي لازال كما هو ساكنا بلا تغيرات كبرى , لكن النفوس والعقول مصدومة وتغيرت فعلا ورغما عن الكل والى الأبد منذ ذلك اليوم المبهر المضيء .. ربما لو لم يأت ذلك اليوم المدوخ لكانت العقول والنفوس تحتاج إلى قرن أو أكثر حتى تصل إلى درجة التغير الحاصل اليوم .. التغير الأهم والأبرز اليوم هو في النفس والعقل .. وكأننا نحقق مقولة انه لن يتغير ما بنا حتى يتغير ما بداخلنا .. ماذا تغير فينا نحن السعوديين منذ ذلك اليوم ..؟ أزعم أن أهم تغير طرأ هو في فكرة القبول بالأخر .. الفكرة فقط وليس القبول العملي الفعلي .. وهذه بحد ذاتها قفزة للأمام ..! وكذلك طرح فكرة إ مكان استبدال القديم . على المستوى الرسمي والشعبي يبدو هذا الكلام مبالغا .. لكن واقع الحال أنه يكفي أن الناس يفكروا فيما لم يكن الكل يفكر فيه .. في ما كان محرما مجرد التفكير فيه .. ألا وهو فكرة إ مكان تغير القديم .. فكرة الجديد .. فكرة أن ما تعودنا عليه يمكن أن يتغير أو أن بعضنا ليس مثل كلنا وأن بيننا منشقون .. أو عصاة منافقون ..! بيننا خونه ..! بيننا آراء مختلقه .. لسنا جماعة موحدة من شذ منها فهو في النار كما هو التلقين السائد و أن الحقيقة نسبيه ولها ألف وجه .. بعد خمس سنوات من أحداث سبتمبر أستطيع أن أقول بثقة أكيدة أن الكل من البسطاء إلى غلاة ( ألمطاوعه ) يقرون أننا تغيرنا .. الكل شبه مجمعون أننا لم نعد كالأمس القريب .. فقد تخلخلت القيم الصدئة .. لم تعد المرأة هي المرأة .. لم يعد الأخر هو الأخر .. لم تعد السلطة برأسيها الديني والسياسي هي نفسها .. شيء ما أزيح من المشهد .. موضوعات جديدة قضايا جديدة من المرأة إلى الحريات إلى الديمقراطية والتعددية والحقوق والقضاء .. ثورة الاتصالات والمعلومات تآزر التغيرات ألنفسيه والفكرية وتخلخل القنا عات القديمة الكل يتحدث اليوم عن السلبيات الفلسفية والثقافية الكل ينتقد إن همسا أو تلميحا أو تصريحا وهذا ما لم أكن شخصيا احلم به قبل سنوات قليلة .


http://www.tamaden.org/show.art.asp?aid=75300